کد مطلب:352797 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:272

ابوهریرة و کثرة روایته للحدیث
نظرا لكثرة ما رواه أبو هریرة من أحادیث، فقد ارتأیت إلقاء بعض الضوء علی شخصیته، حیث أجمع رجال الحدیث علی أن أبی هریرة كان أكثر الصحابة حدیثا عن رسول الله (ص)، علی حین أنه لم یصاحب النبی (ص) إلا عاما وتسعة أشهر - أو ثلاثة أعوام حسب بعض الروایات - وقد احتوت صحاح أهل السنة علی 5374 حدیثا روی منها البخاری 446 حدیثا أما أبو هریرة نفسه فیقول: " ما من أصحاب النبی (ص) أحد أكثر حدیثا عنه منی إلا ما كان من عبد الله بن عمر، فإنه كان یكتب ولا أكتب " [1] ، وكل ما رواه ابن عمر 722 حدیثا، لم یخرج منها البخاری سوی سبعة أحادیث، ومسلم 20 حدیثا. وأما سبب كثرة مصاحبة أبو هریرة للرسول (ص)، فقد أجاب هو نفسه عن ذلك عندما قال: " یقولون أن أبا هریرة یكثر والله الموعد، ویقولون ما للمهاجرین



[ صفحه 115]



والأنصار لا یحدثون مثل أحادیثه؟ وإن أخوتی من المهاجرین كان یشغلهم الصفق بالأسواق وإن أخوتی من الأنصار كان یشغلهم عمل أموالهم، وكنت امرءا مسكینا ألزم رسول الله (ص) علی ملئ بطنی. فأحضر حین یغیبون، وأعی حین ینسون " [2] .

" إن الناس كانوا یقولون أكثر أبو هریرة، وإنی كنت ألزم رسول الله (ص) بشبع بطنی حتی لا آكل الخمیر، ولا ألبس الحریر، ولا یخدمنی فلان ولا فلانة. وكنت ألصق بطنی بالحصباء من الجوع وإن كنت لأستقرئ الرجل الآیة هی معی كی ینقلب بی فیطمعنی، وكان أخیر الناس للمساكین جعفر بن أبی طالب، كان ینقلب بنا فیطعمنا ما كان فی بیته حتی أن كان لیخرج إلینا العكةالتی لیس فیها شئ فنشقها فنلعق ما فیها " [3] .

وقد عبر أبو هریرة عن تقدیره لتصدق جعفر بن أبی طالب علیه بالطعام بأنه قال فیه: " ما احتذی بالنعال ولا ركب المطایا، ولا وطئ التراب بعد رسول الله (ص) أفضل من جعفر بن أبی طالب [4] ". فما هو المعیار الذی اعتبره أبو هریرة بتفضیله جعفر بن أبی طالب علی جمیع الصحابة؟ وقد روی مسلم فی صحیحه أن عمر بن الخطاب (رض) ضرب أبا هریرة لما سمعه یحدث عن رسول الله (ص): - من قال لا إله إلا الله دخل الجنة [5] -، وروی ابن عبد البر عن أبی هریرة نفسه قال: لقد حدثتكم بأحادیث لو حدثت بها زمن عمر بن الخطاب لضربنی عمر بالدرة [6] .

وقال الفقیه المحدث رشید رضا: " لو طال عمر عمر حتی مات أبو



[ صفحه 116]



هریرة لما وصلت إلینا تلك الأحادیث الكثیرة " [7] ، وقال مصطفی صادق الرافعی: "... فكان بذلك - یعنی أبو هریرة - أول راویة اتهم فی الإسلام " [8] .

وعند حدوث معركة صفین، فقد كان تشیع أبو هریرة لمعاویة، وقد كوفی علی حسن روایته للحدیث ومناصرته لهم بأن أغدقوا علیه، فكان مروان بن الحكم ینیبه عنه فی ولایة المدینة، فتحولت أحواله من حال إلی حال، وقد روی عن أیوب بن محمد أنه قال: " كنا عند أبی هریرة وعلیه ثوبان ممشقان من كتان، فتمخط فقال: بخ بخ، أبو هریرة یتمخط فی الكتان؟ لقد رأیتنی وإنی لآخر فیما بین منبر رسول الله (ص) إلی حجرة عائشة مغشیا علی، فیجئ الجائی فیضع رجله علی عنقی ویری أنی مجنون، وما بی من جنون، ما بی إلا الجوع " [9] .

وما یرتبط بتشیعه لبنی أمیة كتمانه لبعض حدیث رسول الله (ص)، لأن روایته لها ستعرض حیاته للموت، فعن أبی هریرة نفسه قال: " حفظت عن رسول الله (ص) وعاءین، فأما أحدهما فبثثته، وأماالآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم " [10] .

وأین هذا من قول أبی هریرة نفسه: " إن الناس یقولون: أكثر أبو هریرة، ولولا آیتان فی كتاب الله ما حدثت حدیثا، ثم یتلو - (إن الذین یكتمون ما أنزلنا من البینات والهدی من بعد ما بیناه للناس فی الكتاب أولئك یلعنهم الله



[ صفحه 117]



ویلعنهم اللاعنون - إلا الذین تابوا وأصلحوا وبینوا فأولئك أتوب علیهم وأنا التواب الرحیم) [11] .

ومن خلال هذه الأدلة الدامغة تتبین حقیقة أبو هریرة وأمانته فی روایة الحدیث، والتی تجعل منه شبیها بوعاظ السلاطین فی زماننا، ویتضح سبب إعراض الشیعة عن روایاته، وبما یصلح أن یكون ردا علی مغالاة أهل السنة بقبول أحادیث أبی هریرة، وطعنهم فی كل من یوجه إلیه النقد. ففی اختصار علوم الحدیث، قال ابن حنبل وأبو بكر الحمیدی وأبو بكر الصیرفی: " لا نقبل روایة من كذب فی أحادیث رسول الله وإن تاب عن الكذب بعد ذلك " [12] ، وقال السمعانی: " من كذب فی خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حدیثه " [13] .

ونعرض فیما یلی بعضا من روایات أبی هریرة والتی أخرجها البخاری فی صحیحه، نبدأ بزعم أبی هریرة بأن موسی علیه السلام قد فقأ عین ملك الموت! فعن أبی هریرة قال: " أرسل ملك الموت إلی موسی علیهما السلام، فلما جاءه صكه فرجع إلی ربه فقال: أرسلتنی إلی عبد لا یرید الموت. فرد الله علیه عینه وقال: ارجع فقل له یضع یده علی متن ثور، فله بكل شعرة سنة. قال: أی رب، ثم ماذا؟ قال: ثم الموت. قال: فالآن، فسأل الله أن یدنیه من الأرض المقدسة رمیة بحجر " [14] .

وعن أبی هریرة قال: " یقال لجهنم هل امتلأت، وتقول هل من مزید؟ فیضع الرب تبارك وتعالی قدمه علیها فتقول قط قط " [15] .



[ صفحه 118]



وعن أبی هریرة قال: " قال رسول الله (ص): ینزل ربنا تبارك وتعالی كل لیلة إلی السماء الدنیا حین یبقی ثلث اللیل الآخر، یقول: من یدعونی فأستجیب له؟ من یسألنی فأعطیه؟ من یستغفرنی فأغفر له؟ " [16] .

والروایة الأخیرة تتناقض مع ما یعتقده أهل السنة من استقرار الله جل وعلا علی العرش، فنزوله إلی السماء الدنیا فی آخر اللیل - كما یزعم أبو هریرة - یعنی بقائه فیها طوال ال 24 ساعة من اللیل والنهار لدوام وجود وقت آخر اللیل علی الأرض ولكن فی بقع مختلفة نظرا لكرویة الأرض! تری لو كان أبو هریرة یعلم بكرویة الأرض، فهل كان لیروی مثل هذه الروایات؟ وعن أبی هریرة أیضا قال: " قال النبی (ص): كانت بنو إسرائیل یغتسلون عراة ینظر بعضهم إلی بعض، وكان موسی یغتسل وحده، فقالوا: والله ما یمنع موسی أن یغتسل معنا إلا أنه آدر، فذهب مرة یغتسل فوضع ثوبه علی حجر، ففر الحجر بثوبه، فجمع موسی فی أثره یقول: ثوبی یا حجر، ثوبی یا حجر حتی نظرت بنو إسرائیل إلی موسی فقالوا: والله ما بموسی من بأس: وأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربا. فقال أبو هریرة: والله إنه لندب بالحجر ستة أو سبعة ضربا بالحجر " [17] .

وعن أبی هریرة أیضا: " إن رسول الله (ص) قال: إذا نودی للصلاة أدبر الشیطان له ضراط حتی لا یسمع التأذین، فإذا قضی النداء، أقبل حتی إذا ثوب بالصلاة أدبر، حتی إذا قضی التثویب أقبل حتی یخطر بین المرء ونفسه، یقول: اذكر كذا، اذكر كذا لما لم یكن یذكر حتی یظل الرجل لایدری كم صلی " [18] .



[ صفحه 119]



وعن أبی هریرة أیضا قال: " قال النبی (ص): بینما رجل راكب علی بقرة التفتت إلیه فقالت: لم أخلق لهذا. خلقت للحراثة، قال: آمنت به وأبو بكر وعمر. وأخذ الذئب شاة فتبعها الراعی، فقال الذئب: من لها یوم السبع؟ یوم لا راعی لها غیری؟ قال: آمنت به أنا وأبو بكر وعمر. قال أبوسلمة: وما هما یومئذ فی القوم " [19] .

والحقیقة أن الأحادیث السابقة من الإسرائیلیات التی أكثر أبو هریرة من روایتها، وذلك یرجع لكثرة ملازمته لكعب الأحبار الیهودی الذی تظاهر باعتناقه الإسلام. وعن دخول الجنة، فقد روی عن أبی هریرة قوله: " سمعت رسول الله (ص) یقول: یدخل الجنة من أمتی زمرة هی سبعون ألفا تضئ وجوههم إضاءة القمر، فقام عكاشة بن محصن الأسدی یرفع نمرة علیه، قال: ادع الله لی یا رسول الله أن یجعلنی منهم، فقال: اللهم اجعله منهم، ثم قام رجل من الأنصار، فقال: یا رسول الله، ادع الله لی أن یجعلنی منهم. فقال رسول الله (ص): سبقك عكاشة " [20] .

وعن أبی هریرة أیضا قال: " بینما نحن عند النبی (ص) إذ قال: بینما أنا نائم، رأیتنی فی الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلی جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، فذكرت غیرته فولیت مدبرا.فبكی عمر وقال: أعلیك أغار یا رسول الله " [21] .

ونختتم روایات أبی هریرة ببعض الفتاوی، التی رویت عنه منسوبة إلی رسول الله (ص) أنه قال: " لو اطلع فی بیتك أحد ولم تأذن له حذفته بحصاة ففقأت عینه ما كان علیك من جناح " [22] ، وأما الفتوی الأخری عن أبی هریرة



[ صفحه 120]



أن رسول الله (ص) قال: " لا یمشی أحدكم فی نعل واحدة، لینعلهما جمیعا، أو لیحفهما جمیعا " [23] .


[1] صحيح البخاري ج 1 ص 86 كتاب العلم.

[2] صحيح البخاري ج 3 ص 313 كتاب المزارعة باب ما جاء في الفرس.

[3] صحيح البخاري ج 5 ص 47 كتاب فضائل الصحابة باب مناقب جعفر بن أبي طالب.

[4] أخرجه الترمذي ج 13 ص 189، ط دار الكتاب العربي بيروت، والحاكم بإسناد صحيح.

[5] صحيح مسلم ج 1 ص 201 باب من شهد لا إله إلا الله مستيقنا دخل الجنة.

[6] فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي ص 41 ط السادسة.

[7] مجلة المنار ج 10 ص 851.

[8] تاريخ آداب العرب ج 1 ص 278.

[9] صحيح البخاري ج 9 ص 317 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب ما ذكر النبي علي اتفاق أهل العلم.

[10] صحيح البخاري ج 1 ص 89 كتاب العلم باب حفظ العلم.

[11] صحيح البخاري ج 1 ص 88 كتاب العلم باب حفظ العلم.

[12] اختصار علوم الحديث ص 111.

[13] التقريب للنووي ص 14.

[14] صحيح البخاري ج 2 ص 236 كتاب الجنائز.

[15] صحيح البخاري ج 6 ص 353 كتاب التفسير باب قوله - وهل من مزيد.

[16] صحيح البخاري ج 2 ص 136 كتاب التهجد.

[17] صحيح البخاري ج 1 ص 169 كتاب الغسل باب من اغتسل عريانا وحده في خلوة.

[18] صحيح البخاري ج 1 ص 336 كتاب الأذان باب فضل التأذين.

[19] صحيح البخاري ج 3 ص 297 كتاب المزارعة باب استعمال البقر للحراثة.

[20] صحيح البخاري ج 7 ص 473 كتاب اللباس باب البرود والحبر والشملة.

[21] صحيح البخاري ج 4 ص 306 كتاب بدء الخلق باب ما جاء في صفة الجنة.

[22] صحيح البخاري ج 9 ص 18 كتاب الديات باب من أخذ حقه أو اقتص دون السلطان.

[23] صحيح البخاري ج 7 ص 496 كتاب اللباس باب لا يمشي في نعل واحدة.